أخر الاخبار

التقويم في التعليم الابتدائي


ارتبط مصطلح التقويم والمراقبة التربوية رسميا بإقرار نظام التعليم الأساسي. ولأجرأة التدابير والعمليات المتعلقة بذلك تم إصدار المذكرة الوزارية رقم 173 حول موضوع التقويم المستمر بأقسام الطور الأول من التعليم الأساسي، بتاريخ 30 أكتوبر 1989، حيث تم التنصيص على ضرورة إنجاز التقويم والمراقبة المستمرة بمراعاة المبادئ التالية:
" أ- استمرارية التقويم.
 ب- شمولية التقويم لكل الوحدات الدراسية.
 ج- تناسق عمليات التقويم مع الأهداف التربوية.
 د- تتبع تطور المتعلمين في تحصيلهم الدراسي.
 ه- ربط التقويم بالدعم والتقوية.
 و- اتخاذ القرار النهائي في الانتقال على مستوى مجالس المعلمين."
هذا وقد فصلت هذه المذكرة كل العمليات التربوية التي يقتضيها تنفيذ كل من المراقبة المدرسية الدورية بالمستويات الدراسية الست المكونة للطور الأول من التعليم الأساسي، وكذا إجراء الاختبار الموحد في نهاية السنة السادسة.
وشهدت الساحة التربوية صدور مذكرات وزارية أخرى اهتمت بموضوع محدد وهو الاختبار الموحد للسنة السادسة من التعليم الأساسي، دون أن تلغي مفعول المذكرة السابقة (173) فيما يتعلق بالمراقبة المستمرة التي امتد العمل بها حتى الآن.
وهذه المذكرات المعنية بالأمر هي:
·        المذكرة رقم 121 بتاريخ: 1 غشت 1990؛
·        المذكرة رقم 47  بتاريخ: 29 مارس 1991؛
·        المذكرة رقم 73  بتاريخ: 24 مايو 1996؛

إن المذكرة 121 جاءت ملحقة بالمذكرة 173 ومتممة لها، حيث حددت على عكس سابقتها وحدات ومواد الاختبار الموحد وسلم التنقيط المطلوب، وتعين -بموجب ذلك- امتحان التلاميذ في الوحدات الدراسية التالية:
o       وحدة اللغة العربية؛
o       وحدة التربية الإسلامية؛
o       وحدة اللغة الفرنسية؛
o       وحدة النشاط العلمي؛
o       وحدة الاجتماعيات؛
o       وحدة الرياضيات؛
o       وحدة التربية الفنية والتفتح التكنولوجي.

أما بالنسبة لسلم التنقيط فقد حُددت النقطة الإجمالية من 0 إلى 10 لكل وحدة من وحدات التربية الإسلامية و النشاط العلمي و الاجتماعيات و التربية الفنية والتفتح التكنولوجي، ومن 0 إلى 20 لكل وحدة من الوحدات المتبقية.
وجاءت إثر ذلك المذكرة 47 لتلغي مقتضيات المذكرة السابقة 121، فيما يتعلق بالامتحان الموحد، حيث حذفت وحدة التربية الفنية والتفتح التكنولوجي من الاختبار، وغيرت بعض إجراءات تدبير الامتحان وتنفيذه ومدة إنجازه وكيفية تنقيط مواده.
أما المذكرة 73 فلم تختلف عن المذكرة 47 التي سبقتها إلا فيما يتعلق ببعض الإجراءات التنظيمية وتعيين مجلس ولجنة للاختبار.
استمر الوضع على اعتماد المذكرة 173كإطار مرجعي عام، مع اعتبار التعديلات المتوالية الواردة في المذكرات اللاحقة، إلى  حين الشروع في تطبيق مقتضيات الإصلاح التربوي الحالي، على إثر صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي نص في مادته الخامسة المتعلقة بالتقويم والامتحانات، ومن خلال المادة 92 المخصصة للتعليم الأولي والتعليم الابتدائي على ما يلي:
– ينتقل الأطفال بطريقة آلية من السنة الأولى إلى الثانية من التعليم الأولي، ويخضعون في متم التعليم الأولي لتقويم طفيف ينظم على مستوى المدرسة الابتدائية، إلا في حالة صعوبات أو تعثر استثنائي يتطلب دعما نفسيا وتربويا خاصا؛
ب – يتم الانتقال على أساس المراقبة التربوية المستمرة من السنة الأولى إلى السنة الثانية من السلك الأول بالمدرسة الابتدائية، ويمكن تسريع هذا الانتقال وفق شروط تربوية موضوعية . وفي متم هذا السلك يجتاز التلاميذ امتحانا إلزاميا وموحدا على مستوى المدرسة، يتوج بشهادة تمكنهم من الالتحاق بالسلك الموالي؛
ج – يتم التدرج عبر السنوات الأربع للسلك الثاني من المدرسة الابتدائية على أساس المراقبة المستمرة، مع العناية بالحالات التي تستلزم دعما تربويا خاصا. وفي ختام هذا السلك يجتاز التلاميذ امتحانا موحدا تنظمه السلطات التربوية الإقليمية. وتمنح للناجحين في هذا الامتحان شهادة الدراسات الابتدائية، وهي الشهادة التي تمكنهم من ولوج المدرسة الإعدادية. أما الراسبون فيكررون السنة مع تركيز جهودهم على المواد الدراسية المقررة في متم هذا السلك التي لم يوفقوا فيها مع استفادتهم من الدعم التربوي اللازم."
غير أن مضمون هذه المادة من الميثاق لم ينفذ منه لحد الآن ما يتعلق بإجراء التقويم في متم التعليم الأولي للتلاميذ قصد ولوج المدرسة الابتدائية، ولم يتم تفعيل إمكانية تسريع الانتقال خلال السنة بالنسبة للتلاميذ المتفوقين، ولم توضع التدابير بعدُ لاجتياز التلاميذ للامتحان الإلزامي الموحد في متم السلك الأول من التعليم الابتدائي. أما الامتحان الموحد الخاص بنهاية السلك الثاني من المدرسة الابتدائية والمؤهل لنيل شهادة الدراسات الابتدائية، فقد حظي باهتمام نسبي محدود، حيث صدر قرار وزاري منظم لامتحان شهادة الدروس الابتدائية، أُلحقت  به مذكرة وزارية تطبيقية تحت رقم 153، والصادرة بتاريخ: 19 نونبر 2001، في موضوع: "شهادة الدروس الابتدائية"، تلتها مذكرات منظمة أخرى، نذكر منها على سبيل المثال: المذكرتين الوزاريتين: رقم 45 بتاريخ: 15 مايو 2001 ورقم 18 بتاريخ:15 مارس 2004.
ومنذ المذكرة الأولى رقم 153 تم تحديد الخصائص والمواصفات المطلوب توفرها في اختبارات التعلمات، وكذا تعيين الإجراءات التنظيمية الضابطة لهذه الاختبارات على مستوى إجراء المراقبة المستمرة والاختبار الموحد، حيث بُرمجت المحطات الزمنية لتقويم التعلمات، ووُضعت الضوابط المعتمدة في إجراء اختبارات الوحدات الدراسية وكذا الامتحان الموحد الإقليمي على مستوى المواد الدراسية المشكّلة لوحدات اللغة العربية والتربية الإسلامية والرياضيات واللغة الفرنسية، وعلى مستوى سلم التنقيط الذي يحول في الأخير إلى معدلات نهائية على 10.
وتجدر الإشارة أن سلم التنقيط لم يشهد استقرارا ثابتا بالنسبة لمختلف المذكرات التي تطرقت إليه؛ فمرة يبدو الأمر وكأنه يتعلق بتحديد معاملات اختبار(ضمنية وغير مصرح بها تماما) تختلف حسب أهمية ووزن المادة أو الوحدة الدراسية في البرنامج التعليمي، ومرة يبدو مبدأ توحيد تنقيط مختلف المواد أو توحيد معدلات مختلف الوحدات الدراسية، وكأن الأمر مقصود في ذاته، على اعتبار أن كل الوحدات تحظى بقيمة تربوية وعلمية موحدة، مادام الأمر متعلقا بتعليم أساسي وابتدائي بعيد عن كل توجيه تخصصي.
إن كلا من وحدة التربية الإسلامية ووحدة اللغة العربية ووحدة الاجتماعيات ووحدة اللغة الفرنسية ، التي تشتمل على عدة مكونات دراسية ، تحظى بنفس المعدل الدوري الذي تحظى به وحدات دراسية أخرى تشتمل على مكون دراسي واحد مثل وحدة النشاط العلمي ووحدة الرياضيات ووحدة التربية الفنية ووحدة التربية البدنية.
 إن هذا الأمر يطرح   بعض التساؤلات لدى الأساتذة في الأقسام حول مدى صلاحية توحيد سلم التنقيط لكل المواد والوحدات الدراسية.   
يبقى القول بأن الأشكال التي تدبر بها عمليات التقويم والمراقبة التربوية حاليا ما تزال بعيدة إلى حد ما عن بلوغ مواصفات الجودة التربوية المطلوبة، وهذا الأمر مرتبط أساسا بعدة عوامل ومسببات نذكر بعضا منها كما يلي:
Ø     نقص التكوين الأساسي والمستمر للفعاليات البيداغوجية المختلفة، فيما يرتبط بأدبيات التقويم التربوي وآلياته وموجهاته وأهدافه العميقة؛
Ø     ارتجال في تدبير إجراءات وعمليات التقويم والمراقبة المستمرة، بسبب اختلاف التمثلات  والتأويلات حول الموضوع، وبسبب الاكتفاء بالجوانب الشكلية على حساب الجوانب الجوهرية، واختزال الممارسة التقويمية في تعبئة صورية للنتائج والتقييمات دون أن يعكس ذلك واقع التعليم ومستوى التعلم الفعلي؛
Ø     بعض الأساتذة لا يكلفون أنفسهم عناء إنجاز تقويمات منتظمة وحقيقية فيقتصرون على تدوين نتائج وهمية لا تعرضهم للمساءلة أو المقارنة مع الغير، بالإضافة إلى تزكيتهم لأساليب الغش في الامتحانات لتجنب المفاجآت غير السارة؛
Ø     بعض مديري المؤسسات لا يعنيهم من الأمر غير تحصيل بيانات النقط ولوائح النتائج في الوقت المطلوب دون التفات إلى مضمون التقويمات وأسلوب إنجازها وحصيلة تغذيتها الراجعة، لاتخاذ التدابير البيداغوجية الكفيلة بالرفع من جودة التعلمات وتحسين الأداء البيداغوجي العام للمؤسسة؛
Ø     عدم حرص بعض المفتشين على الإشراف والتتبع الجيدين والمواكبين لكافة المسارات والسياقات التي تجرى في إطارها عمليات التقويم التربوي، حيث لا يراقبون بانتظام ما ينجز على هذا الصعيد ولا يضعون خططا منهجية للتدخل البيداغوجي، من حيث تكوين الأساتذة والمديرين في الموضوع، ومؤازرتهم وتوجيههم، وتشجيع مبادرات بعضهم، والتصدي لسلوكات البعض الآخر المضرة بمصداقية العملية التربوية عموما والممارسة التقويمية خصوصا.
Ø     الإدارة التربوية إقليميا وجهويا ومركزيا لا يتجاوز دورها أحيانا إصدار المذكرات والنشرات التي تتحول إلى مادة للأرشيف في خزانات إدارات المؤسسات التعليمية، دون دراسة للأثر على مستوى الواقع الميداني، ودون استقراء للتجارب والممارسات الفعلية؛ ودون استثمار ناجع للتقارير المرفوعة والتراكمات المسجلة شكلا ومضمونا ، سلبيا     أو إيجابيا.
Ø     عدم تنصيص دفاتر التحملات بدقة على المواصفات البيداغوجية والمنهجية المطلوب توفرها في الكتاب المدرسي، على مستوى المضامين والأنشطة التعلمية المرتبطة بالتقويم، سواء من حيث تنويع أشكاله (تشخيصي، تكويني، إجمالي)، أو من حيث أجرأة حصصه وفتراته ضمن البرنامج الدراسي، وأيضا من حيث تلاؤم محتوياته وتقنياته مع مقاربة بيداغوجية الكفايات المعتمدة في المنهاج التربوي الحالي،
Ø     عدم تحيين الوثائق التربوية المتوفرة حاليا والمرتبطة بعمليات التقويم والمراقبة المستمرة، ومن أهمها:
-    كتيب أهداف وتوجيهات تربوية؛
-    الدليل العملي للتقويم التربوي؛
-    الكتاب المرجعي في الدعم التربوي؛
-    الدفتر المدرسي الذي يخصص لتعبئة بيانات النقط في كل دورة دراسية حتى تتلاءم بطاقاته ومكوناته مع المستجدات التربوية في مضمار التقويم التربوي شكلا ومضمونا.


إن إصلاح وتجديد الممارسة التقويمية للتعلمات يقتضي تأسيس نقاش تربوي شامل يستهدف تحديد الحاجات واستحضار الشروط الموضوعية التي يمارس فيها التقويم التربوي ميدانيا، وذلك بغية تفعيل وإنجاح الإجراءات والتدابير المنتظر اتخاذها في هذا الصدد، ويقترح منها على سبيل المثال لا الحصر:
·        السهر على إعداد كتيبات ووثائق ودلائل تربوية حول المناهج والبرامج الجديدة؛
·        تضمين المذكرات الوزارية التي ستصدر مستقبلا حول الموضوع كل المواصفات البيداغوجية والمعرفية والمنهجية، والإجراءات والتدابير التنظيمية الواجب اعتمادها لاحقا في ممارسة التقويم والمراقبة المستمرة، بنجاعة وفعالية؛
·        تعميق التفكير حول مدى نجاعة اعتماد معاملات للتنقيط حسب والمواد والوحدات الدراسية في التعليم الابتدائي؛
·        تنظيم دورات تكوينية وأيام دراسية (ضمن مشروع التكوين المستمر المزمع تنفيذه) حول أهمية التقويم التربوي وفعاليته التعليمية، وحول تقنيات القياس والتقويم، وحول أساليب استثمار التغذية الراجعة في تحديد وبرمجة إستراتيجية هادفة للدعم التربوي، وحول منهجيات وطرق تقويم الكفايات والقدرات والمهارات التعلمية، وفق مقاربة التدريس بالكفايات.

وفي الأخير نعتقد أن إحداث بنيات وآليات التنسيق المركزي والجهوي والإقليمي سيمثل لبنة أساسية وضرورية لتعزيز المكتسبات، والمساهمة في تقديم الاقتراحات لتجديد المقاربات والتصورات، ودعم التوجهات الإصلاحية الهادفة إلى تفعيل مقتضيات الإصلاح التربوي المنشود، وتسريع وتيرة الإجراءات والتدابير الكفيلة بتصحيح الوضعيات، وتشجيع المبادرات المساهمة في بناء مستلزمات الجودة في المنظومة التربوية، ومن هذه المستلزمات الحيوية إيلاء الأهمية القصوى والاعتبار اللازم لبيداغوجيا التقويم والدعم التربويين لضمان جودة التعلمات بالنسبة للتلميذ المغربي أينما كان، ولضمان مبدأ تكافؤ الفرص للجميع وتوسيع نسب الامتياز والاستحقاق.

منقول للفائدة
تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -